عصفور الحرية عضو جديد
عدد المساهمات : 6 تاريخ التسجيل : 17/07/2011
| موضوع: الداعية المميز الأحد 17 يوليو 2011, 12:56 am | |
| · طوق.. وحصار.. وإيغال في اللؤم
قد يكون الداعية مشتاقا للبذل، محبا للعمل، لكن تعقله متاعب تثيرها زوجه، أو رسوب في امتحان، أو خسارة في تجارة، أو علاقة متوترة مع رئيس في المهنة. وهل من داعية اليوم تخلو حياته من أن يعكرها ظلم مركب متعدد الأنواع، من بين قتل قريب أو حبيب، أو سجن حتى قضبان الزنزانة تمل من طوله وتضجر من قسوة وراءها، أو تشريد إلى دار هجرة يقل فيها مورده من بعد عز، ويضطر فيها أن يداري، ويغض الطرف ويسكت ، وقد كان هو من قبل أستاذ الصراحة، فصيح اللسان رفيع الصوت؟ وأي داعية أصبح لا يقول للصعلوك الثوري في بلده، أو للحدث الحالي في دار هجرته: أيها الأستاذ، وأحدهما لا يساوي فلسين أحمرين؟ وأي داعية ليست تعركه مشكلة الوثائق وجواز السفر والإقامة والغرامات ومقابلة مانعي حقوقه؟ وأيهم لم تفركه تعقيدات أحوال الأولاد في المدارس؟ وأي مهاجر مشرد لا تشتاق زوجه إلى أمها وأخواتها وبنات عمها ولا تخنقها العبرات؟ وأي رجل تموت أمه ولا يحضر جنازتها ثم يصبر، ويموت أبوه ولا يصلي عليه؟ هذا كله إذا كان عديم الإحساس بقضايا الأمة، ولا يقشعر جلده لمذابح بورما والبوسنة، ولا تستفزه مأساة الأفغان، ولا تفجر شفقته مجاعة أفريقيا. إنها بطولة حقيقية أن يصمد داعية أمام كل هذه الضغوط النفسية، الخاصة والعامة، وأن لا ينهار، وقد أرته السنون نجوم النهار...! ويتوهم بعض الأخوة حين يظنون أن هذا النمط من الاعتذار عن أصحابهم والتوكل عنهم في التعبير عن أحاسيسهم وقضاياهم نوعا من التلقين لهم، وتشجيعا للفاترين أن يفلسفوا برودهم، وأن الحث أولى، والإدانة أدعى. ولسنا نرى ذلك، فإنا إنما أردنا إثبات منقبة أولئك العاملين الذين ما زالوا يحلقون في الأجواء العالية ويسرعون في المدارج الصاعدة، فإنهم شركاء الفاترين في التعرض لكل تلك المتاعب، لكنهم تجاهلوها وتحدوها فكانت نفوسهم أكبر من هذه المثبطات، وفي الإشارة إلى منقبة هؤلاء موعظة لأهل الفتور أبلغ من التبكيت، إذ هي قصص يومية من التسامي على الظروف المعاكسة تدعو لاقتداء والتحاق بركب الجد واحتقار المصاعب والصبر على المكارة والنظر إلى أجر هو في الآخرة جزيل، وتطرد هذه المنقبة حتى لمن لم تصبهم بحمد الله محنة من أهل بلاد الغنى والترف، مثل الخليج، فإن المتجردين من الدعاة فيها، وفتنة المنصب الحكومي والجاه المتاح، ليستا أقل تسبيبا للفتور من المصاعب والآلام، وفي التعالي عليهما منقبة وبطولة.
| |
|